عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 06-04-2021, 11:04 PM
سديم متواجد حالياً
اوسمتي
76 
 
 عضويتي » 155
 جيت فيذا » May 2021
 آخر حضور » 08-10-2021 (12:17 AM)
مواضيعي » 10345
آبدآعاتي » 26,609 [ + ]
تقييمآتي » 311
الاعجابات المتلقاة » 257
الشكر المتلقاة » 15
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  » Adobe Photoshop 7,0
الحآلة آلآجتمآعية  » 7up
 التقييم » سديم is a jewel in the roughسديم is a jewel in the roughسديم is a jewel in the roughسديم is a jewel in the rough
 
افتراضي نبي الله عيسى عليه السلام





الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فلا زال الكلام على أنبياء الله من أولي العزم من الرسل وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى عنهم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]. وسيكون الكلام في هذه الكلمة عن نبي الله عيسى عليه السلام.



قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 42-51].



«يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولدٍ منها، من غير أب، وبُشرت بأن يكون نبيًّا شريفًا، ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ﴾ أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهولته، فدل على أنه يبلغ الكهولة، ويدعو إلى الله فيها، وأُمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع؛ لتكون أهلًا لهذه الكرامة، ولتقوم بشكر هذه النعمة، فيقال: إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها، ورحم أمها وأباها، فقول الملائكة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾ أي اختارك واجتباك ﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ أي من الأخلاق الرذيلة، وأعطاك الصفات الجميلة ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾»[1].



روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ»[2].



وقد ذكر الله قصة ولادتها لعيسى عليه السلام في سورة مريم، فأخبر سبحانه أنها انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، متجردة لعبادة ربها.



«قال تعالى: ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ [مريم: 17]، لئلا يشغلها أحد عما هي بصدده؛ فأرسل الله لها الروح الأمين جبريل في صورة بشر سوي من أكمل الرجال وأجملهم، فظنت أنه يريدها بسوء، فقالت: ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]. فتوسلت بالله في حفظها وحمايتها، وذكرته وجوب التقوى على كل مسلم يخشى الله، فكان هذا الورع العظيم منها في هذه الحالة التي يخشى منها الوقوع في الفتنة، ورفع الله بذلك مقامها، ونعتها بالعفة الكاملة، وأنها أحصنت فرجها، فقال لها جبريل: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾به وبك وبالناس ﴿ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ فلا تعجبي مما قدره وقضاه ﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ ﴾ أي: ابتعدت به عن الناس ﴿ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ خشية الاتهام والأذية منهم ﴿ فَأَجَاءَهَا ﴾ أي: ألجأها ﴿ الْمَخَاضُ ﴾ أي: الطلق ﴿ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 19-23]. لما تعرفه مما هي متعرضة له من الناس، وأنهم لا يصدقونها، ولم تدري ما الله صانع لها.

قوله تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ أي: الملك، وكانت في مكان مرتفع.



﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ أي: نهرًا جاريًا ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ من دون أن تحوجك إلى صعود ﴿ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾أي: طريًا ناضجًا ﴿ فَكُلِي ﴾ من الرطب ﴿ وَاشْرَبِي ﴾ من السَّري ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ بولادة عيسى، وليذهب روعك وخوفك ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾ أي: سكوتًا، وكان معهودًا عندهم أنهم يتعبدون بالصمت في جميع النهار، ولهذا فسره بقوله: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 24-26]. فاطمأن قلبها، وزال عنها ما كانت تجد.



ثم لما تعالت من نفاسها، وأصلحت من شأنها، وقويت بعد الولادة ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ﴾ علنًا غير هائبة ولا مبالية، فلما رآه قومها، وقد علموا أنه لا زوج لها، جزموا أنه من وجه آخر، فقالوا: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ كما أُمرت بذلك، فقالوا منكرين عليها مقالتها لهم: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ فقال: وهو في تلك الحال له أيام يسيرة بعد ولادته: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 27-33].



فكان هذا الكلام منه في هذه الحال من آيات الله، وأدلة رسالته، وأنه عبد الله لا كما يزعمه النصارى، وحصل لأمه البراءة العظيمة مما يُظن بها من السوء، لأنها لو أتت بألف شاهد على البراءة وهي على هذه الحال ما صدقها الناس، ولكن هذا الكلام من عيسى وهو في المهد جلا كل ريب يقع في القلوب، فانقسم الناس فيه بعد هذا ثلاثة أقسام:

قسم آمنوا به وصدقوه في كلامه هذا، وفي الانقياد له بعد النبوة، وهم المؤمنون حقيقة، وقسم غلوا فيه - وهم النصارى - فقالوا فيه المقالات المعروفة، ونزلوه منزلة الرب، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، وقسم كفروا به وجفوه - وهم اليهود - ورموا أمه بما برأها الله منه، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 37].



ولما أرسله الله إلى بني إسرائيل آمن به من آمن، وكفر به من كفر، وجعل يريهم الآيات والعجائب، فكان يصور الطين فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحي الموتى بإذن الله، وينبئهم عن كثير مما يأكلون ويدخرون في بيوتهم، ومع ذلك تكالب عليه أعداؤه وأرادوا قتله، فألقى الله شبهه على واحد من الحواريين أصحابه أو من غيرهم، ورفعه الله إليه، وطهره من قتلهم، فأخذوا شبيهه فقتلوه وصلبوه، وباءوا بالإثم العظيم، والجرم الجسيم، وصدقهم النصارى أنهم قتلوه وصلبوه، ونزّهه الله من هذه الحالة فقال: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]»[3].



صفة عيسى عليه السلام وشمائله، وفضائله:

قال الله تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ [المائدة: 75]. قيل: سُمي المسيح؛ لمسحه الأرض، وهو سياحته فيها، وفراره بدينه من الفتن في ذلك الزمان؛ لشدة تكذيب اليهود له، وافترائهم عليه وعلى أُمه عليهما السلام، وقيل: لأنه كان ممسوح القدمين.



وقال تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46]. وقال تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 87]، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.



وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ بَنِي آدَم يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ»[4].



وروى البخاري ومسلم من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ»[5].



وروى البخاري مسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به: «لَقِيتُ مُوسَى، قال: فَنَعَتَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ -حَسِبْتُهُ قَالَ: مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنَ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى، فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ - يَعْنِي الحَمَّامَ - قَالَ: وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ»[6].



وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْتُ عِيسَى، وَمُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى، فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ»[7].



وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرَانِي اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعْرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَرَأَيْتُ وَرَاءَهُ رَجُلًا جَعْدًا قَطَطًا، أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ»[8].



«فبين صلوات الله وسلامه عليه صفة المسيحين، مسيح الهدى، ومسيح الضلالة، ليُعرف هذا إذا نزل، فيؤمن به المؤمنون، ويُعرف الآخر فيحذره الموحدون»[9].



روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى، ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ، وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ»[10].



وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِِلَهَ إِِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي»[11].



وهذا يدل على سجية طاهرة، حيث قدم حلف ذلك الرجل وظن أن أحدًا لا يحلف بعظمة الله كاذبًا على ما شاهده منه عيانًا، فقبل عذره، ورجع إلى نفسه، فقال: آمنت بالله، أي صدقتك، وكذبت بصري لأجل حلفك.



وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثم قرأ: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]، أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤخَذ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117-118]»[12].



وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ»[13]. وفي رواية: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»[14].



روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَومَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ، فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، وَأَنْزَلُوهُ، وَسَبُّوهُ، فَتَوضَأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثَمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمُصُّهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَمَصُّ إِصْبَعَهُ، «ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبَ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ، زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ»[15].



وروى أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطٌ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ[16]، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُعَطِّلُ الْمِلَلَ، حَتَّى تَهْلِكَ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا غَيْرَ الإِسْلَامِ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ الكَذَّابَ، [ وَتَقَعُ الأَمَنَةُ فِي الأَرْضِ، حَتَّى تَرتَعَ الإِبِلُ مَعَ الأُسْدِ جَمِيعًا، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ وَالغِلْمَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا]، فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ»[17].



قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159]، وقد ورد في الأحاديث الأخرى: «أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ المُسْلِميِن: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ فَصَلِّ، فَيَقُولُ: لَا، بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ[18]، فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، ثُمَّ يَرْكَبُ وَمَعَهُ المسْلِمُونَ فِيِ طَلَبِ المَسِيحِ الدَّجَالِ، فَيَلْحَقُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ[19]، فَيَقتُلُهُ بِيَدِهِ الكَرِيمَةِ».



قال ابن كثير رحمه الله: «وذكرنا أنه قوي الرجاء حين بُنيت هذه المنارة الشرقية بدمشق التي هي من حجارة بيض، وقد بُنيت أيضًا من أموال النصارى حين حرقوا التي هدمت وما حولها، فينزل عليها عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، وأنه يحج من فج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو يثنيهما، ويقيم أربعين سنة ثم يموت فيدفن»[20].





 توقيع : سديم

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس