بدأ يمارس فن التمثيل منذ كان في العاشرة من عمره، اكتشفه أحد المخرجين وهو في المدرسة، وأسند إليه دورًا في فيلم، جعله محط أنظار المخرجين، فصاروا يطلبونه لأدوار مماثلة.
كبر وأصبح نجمًا.
تعددت مغامراته، وملأت أخباره الصحف والمجلات.
أما أصدقاؤه المقربون، فكانوا كلهم من الوسط الفني، لم تكن تدور أحاديثهم إلا عن الفيلم الماضي، والاستعداد للفيلم الجديد.
ذات يوم جاءه سيناريو لفيلم عن إحدى الشخصيات التاريخية.
فيلسوف دفع حياته ثمنًا لآرائه، كيف؟
لم يجد في السيناريو كل ما أراد معرفته، استعان ببعض المراجع، ستة أو سبعة كتب ضخمة إلى جانب مؤلفات الفيلسوف.
أغلق على نفسه باب الحجرة وراح يقرأ.
اعتذر عن مقابلة الأصدقاء في موعدهم اليومي، واستمهل المخرج بعض الوقت؛ ليستوعب الشخصية على نحو أعمق.
ولأول مرة انفتح أمامه عالم كان يجهله تمامًا، الفيلسوف رأيه صحيح، والمجتمع كله كان على خطأ، والعجيب أنهم اتهموه بالخبل والجنون، ثم بالخيانة العظمى، وأخيرًا أقدموا على إعدامه وإحراق كتبه، لكنهم بعد أكثر من مائة عام تبيَّنوا أنهم أخطؤوا، وأن الرجل كان يريد لهم الصلاح.
أعادوا نشر كتبه، وأقاموا له تمثالاً في نفس الميدان الذي أُعدِم فيه.
راح يستعرض شريط حياته، ماذا فعل؟
وماذا قدم للناس؟
وهل ما ينطق به أمام الكاميرا يوازي ما يفعلونه في حياتهم؟
إنه مجرد دمية يحركها كل من المؤلف والمخرج مثلما يشاء.
أين آراؤه الخاصة، وأين أفكاره؟
إنه لم يعلنها قط، وحتى في الأحاديث الصحفية يكون هناك من ينقحون كلامه، بهدف المحافظة على اسمه الفني؟
هكذا مضت حياته هباءً، وسوف يمضي الباقي منها، مجرد خيالات على حائط يراها الناس في الظلمة، ثم يخرجون بعدها لممارسة حياتهم في النور.
استعجله المخرج كثيرًا، لكنه ظل يعتذر، وأخيرًا قدم اعتذاره النهائي عن الفيلم، قائلاً: إنه بحاجة إلى فترة ينفرد فيها بنفسه؛ لكي يراجع أمورًا كثيرة في حياته!